top of page
Search

عدوّانِ لا يجلسان على طاولةٍ واحدة

  • Writer: مينا بشير
    مينا بشير
  • Aug 15, 2022
  • 3 min read

إنَّ الكبرياءَ وحشٌ فاتنٌ جدًّا للكثيرينَ من الناس، فُقاعةٌ كبيرةٌ برّاقةٌ تجذبُ المرءَ للدخولِ فيها، إلا أنها تُعيقهُ عن الكثيرِ من الأشياء. كثيرًا ما يُعيقُنا كبرياؤنا المفرطُ عن العيش و خوض التجارب، و الأهمُّ من ذلك أنه يَمنَعُنا من التعلُّمِ بشكلٍ صحيح.

لا يمكنُ للعلمِ أن يجتمعَ مع الكبرياءِ المطلقِ في عقلٍ واحد، فعندما يصلُ ذلك الإنسانُ الضئيلُ البسيطُ إلى التباهي بعلمه و معرفته، وعندما يتحوَّلُ الكبرياءُ إلى إعجابٍ بالنفس فإنَّهُ سرعان ما يتوقفُ عن طلبِ العلم، بل إن الأسوأ من ذلك هو أن الكبرياء يمنعُ المرءَ من رؤيةِ الحِكَمِ و الدروس بوضوح. فالكبرياء الزائد ليس سوى غشاءٍ مشوِّشٍ للبصيرةِ داخضٍ للرؤية. لطالَما رأيتُ أشخاصًا مصابينَ بمرضِ الكبرياء، أشخاصًا عاديينَ يرفضونَ اصطيادَ الحكمة من أفواهِ أشخاصٍ عاديين آخرين، و هذا أمرٌ مثيرٌ للدهشة و الشفقةِ معًا. فؤلئكَ الأشخاصُ يرفضونَ أخذَ طبقٍ من ذهب لأنهُ مقدَّمٌ إليهم بيدِ شخصٍ بسيط، أو بالأحرى أنهم يحسَبونه كذلك، فلا يوجدُ أشخاصٌ "بسَطاءُ" في هذه الحياة، كلنا لدينا ما نقولهُ بصوتٍ عالٍ و ما ننضحُ به. إنَّ البشرَ كالأواني، بعضُها يبدو فاخرًا و مزخرفًا و البعضُ الآخرُ بسيطٌ من الخارج، لكن الحقيقةِ هي أن كل إناءٍ يحمل شيئًا مهمًّا في داخله، كل إنسانٍ على وجه الأرضِ يملكُ رسالةً ليوصلها إلى الكون، و تبقى الحكمةُ ثمينةً مهما كان مصدرُها أو منبعُها، فهي تحتفظُ بذاتِها مهما حدث.

كلما ازداد نضج الإنسان و ارتفع منسوب الوعي لديه تواضعَ في قطف الدروس و العبرِ من أفواه المواقف و العابرين. بل إن الإنسان الذكيَّ هو الذي لا يتردَّدَ في طلب العلم من صاحبِ التجربةِ كائنًا من يكون، سواءٌ أكان غنيًّا أو فقيرًا، أمّيًا أو متعلِّمًا، صغيرًا أو كبيرًا، فهو لا يسمحُ للكبرياءِ بأن يوقفه عن نهلِ المعرفة. إن أرَدنا أن نصبحَ أشخاصًا ناجحين و مؤثرين، فعلينا الاهتمامُ بالتعلُّمِ و التطورِ و العملِ الدؤوبِ بدل أن نتَّجهَ باهتمامنا نحو المظاهرِ و المناصبِ و الألقاب العقيمة، بمعنى أننا لا يجبُ أن نسقُطَ في هالةِ البريقِ التي تحيطُ بنا، فالواقعُ في هالةِ القشورِ الخارجيةِ المُزَركشةِ سرعان ما يفقدُ القدرةَ على السعي و التطور.

تعلَّمتُ أن أتخلّى عن رداءِ الكبرياءِ عندما أجلسُ على مقاعدِ الحياةِ لأتلقّى العلمَ و أقتنصَ الخبرات، أي أنني ألقي بذلك الكبرياءِ القاتلِ من نافذة مدرسة الحياة، فلا أركزُ سوى على تسَلُّقِ سُلَّمِ التطور. يقولُ الإمام الشافعي: "العلمُ ثلاثة أشبارفمن دخل في الشبرِ الأول تكبَّر، و من دخل في الشبرِ الثاني تواضع، و من دخل في الشبرِ الثالث علمَ أنه لا يعلم." كانت هذه المقولة بمثابة النور الذي اخترقَ طبقاتِ الظلامِ الدامسِ في داخلي، و قرَّرتُ عندما تأملتُها و قلَّبتُها بينَ جدرانِ عقلي أنني يجبُ أن أبلغَ الأشبارَ الثلاثة، أي أنني سأقطعُ رحلةَ العلمِ بأكملها بدلَ التفاخُرِ بالشبر الأول الذي قطَعتهُ و أنا معصوبةٌ بخرقةِ الجهل. أيقنتُ أن العلمَ يغير الإنسان و أن العبقري الحقيقي هو الذي لا يفخرُ بعلمه بل يسعى لنهلِ المزيد، فالفخرُ المطلَقُ دائمًا ما يعني الاكتفاء، و ذلك الاكتفاءُ يؤدي إلى إيقافِ عجلة الطموح.

في النهايةِ يبقى الكبرياءُ شهوةً حميدةً تجرُّ خلفها شهوةَ الكِبَرِ و قد تسوقُ المرءَ إلى الغرورِ إذا لم يتم ترويضُها بشكلٍ صحيح، و هي أولُ شهوةٍ جرفَت مُتَّبعها إلى وادي الندمِ و الهلاك، فلم يقتل قابيلُ أخاهُ إلا عندما تمكَّنَ الكبرياءُ من قلبهِ المُتفَحِّمِ بالسواد، ثم تحوَّلَ تدريجيًا إلى كِبَر. عزيزي القارئ، إياكَ أن تكون كصاحبِ الجنَّتينِ الذي ذكره الله عز وجل في سورة الكهف. لا ترفض تلَقّي الحكمة فقط لأنك تظن أن من ساقَها إليك شخصٌ دون مستواك، فتقلِّبُ كفَّيكَ من الندم و تجلس على قارعةِ طريق الفشلِ مذمومًا مدحورًا. إن العلم و الكبرياء عدوانِ لا يجلسانِ على طاولةٍ واحدة. اسمح لهذه الحياة أن تفيضَ عليكَ من دُررها و خيراتها و افتح نوافذكَ لاستقبالِ الشعاعِ في كل لحظةٍ و مكان، أبقِ عقلك مفتوحًا فلا يعلمُ الإنسانُ متى تطرقُ الحكمةُ بابه.










 
 
 

1 Comment


Guevara _9
Guevara _9
Aug 19, 2022

شكرا جزيلا على كل كلمة ❤💐💐

Like

Minabasheer2022 @gmail.com

  • Instagram
  • Facebook

©2022 by Mina Basheer. Proudly created with Wix.com

bottom of page